تُعتبر قصة موسى مع الخضر من أبرز القصص المذكورة في القرآن الكريم، حيث تربط الخضر بالكثير من الشخصيات والأساطير. قد اختلف العلماؤ في تحديد هوية الخضر، فبعضهم اعتبره نبيًا، بينما رأى آخرون أنه ولي أو مَلَك من الملائكة المرسلة إلى الأرض، أو حتى أحد أبناء آدم عليه السلام الذي لا يزال يعيش بيننا. ورغم تعدد هذه الآراء، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع يؤيد أيًا منها، وهي اجتهادات محضة. تُروى قصة الخضر مع موسى عليه السلام في سورة الكهف، وفي هذا المقال عبر موقع أطروحة، سنستعرض تفاصيل القصة وأسباب تلقيب الخضر بهذا الاسم.

تفاصيل قصة موسى مع الخضر

تظهر قصة موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف، وهي من السور المكية، وتحتل المرتبة الثامنة عشرة من بين سور القرآن الكريم، وتضم 110 آيات كاملة. تمتاز هذه السورة بأسلوبها القصصي الفريد، الذي يتضمن العديد من القصص الشهيرة مثل قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين، فضلاً عن قصة موسى عليه السلام مع الخضر.

دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة

خطبة موسى بين بني إسرائيل

بدأت قصة موسى عليه السلام مع الخضر حين قام موسى عليه السلام بخطابة بني إسرائيل، حيث كان يعظهم وينبههم. فسألوه عن أعلم أهل الأرض، فأجاب بأنه هو الأعلم بينهم. لكن الله سبحانه وتعالى عاتبه لأنه لم يُنسب العلم إليه، وأوحى له أن هناك من هو أعلم منه وعليه أن يسعى للعثور عليه في نقطة التقاء البحرين.

رحلة موسى لمقابلة الخضر مع الفتى

انطلق موسى عليه السلام مع فتاه يوشع بن نون، حاملًا معه حوتًا في وعاءٍ كبير أُعدّ له بمرسوم من الله. وقد أوصاه موسى بأن يراقب الحوت إن فقده خلال الرحلة، وعندما وصلا إلى صخرة، استغرقا في النوم تعبًا.

علامة العثور على الخضر

كانت علامة العثور على الخضر هي هروب الحوت من الوعاء. وعند ما استغرق موسى وفتاه في النوم، هرب الحوت إلى البحر، وظل يوشع ساكتًا حتى لا يزعج موسى. وبعد استيقاظهم، شعر موسى بالجوع وطلب من يوشع أن يعد لهما الطعام، فتذكر يوشع الحوت وأخبر موسى. وعادا للبحث عن الحوت، وكان هروبه علامة على العثور على العبد الصالح الخضر.

مقابلة موسى بالخضر

عندما وصل موسى وفتاه إلى الصخرة، وجدا الخضر مستلقيًا تحت ثوب. وقدّم موسى نفسه وأعلمه بأنه يبحث عن العلم، لكنه قوبل بالرفض من قبل الخضر، الذي أدرك صعوبة المسألة. بعد إصرار موسى، اشترط الخضر عليه عدم الاعتراض على أي شيء يراه حتى يفسر له ذلك لاحقًا.

من هم الصابئون في القرآن الكريم

أحداث عجيبة مع الخضر

خلال رحلتهم، واجه موسى مع الخضر ثلاث مواقف غريبة. حيث كان أولها عند السفينة، حيث تم السماح لهما بالصعود دون أجور، إلا أن الخضر قام بتخريبها، مما أدهش موسى. ثم صادفا طفلًا صغيرًا فقام الخضر بقتله، مما أثار استهجان موسى. وأخيرًا، وصلا إلى قرية رفض أهلها إطعامهما، لكن الخضر أصلح جدارًا مُتهدمًا في القرية، مما أغضب موسى مرة أخرى. عند ذلك حان وقت فراقهما بعدما استنفذ الخضر كل المبررات.

شرح حديث من سن في الإسلام سنة حسنة

تفسير أفعال الخضر

قبل أن يفترق الخضر عن موسى عليهما السلام، قرر توضيح أفعاله. فشرح له أن تخريب السفينة كان لحماية أهلها من ملك ظالم، أما قتل الغلام فكان لحماية والديه من افتتان إيمانهما. وأما الجدار، فقد كان يحوي كنزًا لغلامين يتيمين، وذلك برعاية الله لهما بعد وفاة والدهم الصالح. وأكد الخضر أن كل تلك الأفعال كانت بإرادة الله، وليست من تلقاء نفسه.

ذكر القصة في القرآن الكريم

تتناول قصة موسى مع الخضر في سورة الكهف من الآية 60 إلى 82، حيث يقول الله تعالى:

{
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا* قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا* قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا* قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا  وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
}.

شرح حديث من سن في الإسلام سنة حسنة

المكان الذي التقى فيه موسى بالخضر

تباينت آراء العلماء حول موقع اللقاء بين موسى والخضر. ومن بين الآراء التي تمت الإشارة إليها:

  • قال ابن كثير: “قال قتادة وغيرهم: إنهم اجتمعوا في بحر فارس وبحر الروم”، بينما قال محمد بن كعب إن مجمع البحرين هو عند طنجة في أقصى المغرب.
  • أشار السيوطي في “الدر المنثور” إلى أن مجمع البحرين هو بحار فارس والروم، مع وجود اقوال عن أبي بن كعب بأنه أفريقية.
  • في ظلال القرآن، ذكر سيد قطب أن مجمع البحرين يشير إلى البحر الأحمر والبحر الأبيض في مناطق قرب البحيرات المرة.

الدروس والعبر المستفادة من القصة

تحمل قصص القرآن الكريم، بما فيها قصة موسى مع الخضر، دروسًا عظيمة وإرشادات نافعة، منها:

  • السعي نحو التعلم وطلب العلم مع ضرورة التحلي بالصبر والجلد في سبيل ذلك.
  • تنبه القصة إلى أن علم الله لا حدود له، وأن الإنسان لا يعلم شيئًا إلا بإرادة الله.
  • أهمية التواضع واحترام العلماء والمربين وأن تعزز هذه الصفات لدى المسلمين.
  • السؤال حلقة التواصل في العلم ووسيلة للحصول على المعرفة.
  • أفضل رفقة يمكن أن تكون في السفر هي الرفقة الصالحة.
  • النسيان ظاهرة طبيعية قد تصيب الإنسان أحيانًا.
  • الاعتذار عن الأخطاء هو من الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها المسلم.

حكم إعاذة من استعاذ بالله

وفي ختام مقالنا حول قصة موسى مع الخضر، فقد تناولنا مختلف جوانب هذه القصة العظيمة، وأبرزنا تفاصيلها وأهميتها وكيف تم ذكرها في القرآن، كما أشرنا إلى آراء العلماء بشأن مكان اللقاء. نأمل أن تكونوا قد استفدتم من هذه المعلومات.