إن الكذب والافتراء هما من الأمور المحرمة في الإسلام، وهي خصال مذمومة يجب على كل مسلم أن يتجنبها، تحقيقًا لأمر الله سبحانه وتعالى وابتعادًا عن نواهيه. إن الدين الإسلامي، باعتباره الدين الحق، لا يقبل إلا بالصدق والأمانة. من خلال منصة أطروحة، سنتناول الحديث حول مسألة “من قال في مؤمن ما ليس فيه” ونسلط الضوء على الأحاديث التي تذم الافتراء والكذب بحق المسلمين.

حديث من قال في مؤمن ما ليس فيه

ذكر في السنة النبوية، ما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قال في مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ، أسكنَهُ اللهُ رَدغةَ الخَبالِ، حتّى يخرجَ مِمّا قال”. [صحيح الترغيب: 2845] وفي رواية أخرى، قال: “من حالت شفاعتُه دون حَدٍّ من حدودِ اللهِ فقد ضادَّ اللهَ، ومن خاصم في باطلٍ وهو يعلَمُه، لم يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حتى ينزعَ عنه، ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكَنَه اللهُ رَدغةَ الخَبالِ حتى يخرُجَ ممَّا قال”. [سنن أبي داود: 3597]

صحة حديث ترفع الاعمال يوم عرفه الا المتخاصمين

تحذير من الافتراء على المؤمنين

بحسب ما ورد في موقع إسلام ويب، فإنه يُحذر من أي اتهام غير صحيح للمؤمنين بالباطل، حيث إن سوء الظن بالمؤمن هو أمر مُحرّم شرعًا. ولقد شدد العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يتهم آخاه أو أن يفترى عليه بالباطل، سواء كانت الأسباب أو الأعذار متوفرة. فالله تعالى قد وعد بالعذاب لمن يقوم بهذا الفعل، ويجب على من ارتكب ذلك أن يتوب ويستغفر، وأن يتحلل من الشخص الذي افترى عليه.

شرح حديث من سن في الإسلام سنة حسنة

عقوبة المفترين

إن الكلام عن الآخرين بكلمات تُبطل صفتهم أو تتهمهم بغير حق يعتبر من الذنوب الكبيرة، وقد يتسبب في عذاب شديد لمن يرتكبه. إن الحياة في “ردغة الخبال”، التي تعني الوحل الفاسد، تمثل عقوبة لمن يقوم بتلك الأفعال الشنيعة.

تأكيد صحة الحديث

إن الحديث المروي عن من قال في مؤمن ما ليس فيه يُعتبر حديثًا صحيحًا، ولم يُنكر من قِبل أهل العلم. فقد ذكره المنذري في كتابه “الترغيب والترهيب”، حيث لم ينقص عن درجة الحسن، وقد يكون وفق شروط الشيخين. كما صححه الألباني في “صحيح أبي داود”، وصححه أبو داود في سننه، واستشهد به آخرون كعبد الحق الإشبيلي.

هل الذنب مضاعف في العشر من ذي الحجه

شرح الحديث

يشرح العلماء الحديث حول من قال في مؤمن ما ليس فيه، أن الله سبحانه وتعالى قد فرض عقوبة شديدة على من استخدم نعمه في المعصية. ومن يسعى لتطبيق حد من حدود الله من خلال الشفاعة أو المحاججة في أمر يعلم أنه غير صحيح، فإنه يكون تحت غضب الله حتى يتخلص من هذا السلوك. والشخص الذي يفتري على مسلم سيلقى عقابًا من الله بسبب أفعاله الكاذبة.

حكم حلق الحواجب بالموس ابن باز

أحاديث تذم الافتراء والكذب

توجد العديد من الأحاديث النبوية التي تذم الافتراء والغيبة، منها ما يلي:

  • عن واثلة بن الأسقع الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ مِن أعْظَمِ الفِرَى أنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إلى غيرِ أبِيهِ، أوْ يُرِيَ عَيْنَهُ ما لَمْ تَرَ، أوْ يقولُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما لَمْ يَقُلْ”. [صحيح البخاري: 3509]
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه”. [غاية المرام: 426]
  • عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ قَالَ، وحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِن أصْحَابِهِ: بَايِعُونِي علَى أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، ولَا تَأْتُوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ، ولَا تَعْصُوا في مَعروفٍ، فمَن وفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللَّهِ”. [صحيح البخاري: 18]

آيات قرآنية تدين الافتراء

كما ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدين الافتراء والبهتان، ومن بين هذه الآيات:

  • قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ}. [سورة العنكبوت: الآية 68]
  • قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا}. [سورة الفرقان: الآية 4]
  • قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. [سورة الأحزاب: الآية 58]
  • قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. [سورة الممتحنة: الآية 12]

بهذا، نكون قد عرضنا مقالًا حول “من قال في مؤمن ما ليس فيه”، موضحين فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول خطورة الافتراء على المسلم، كما قمنا بشرح الحديث والإشارة إلى مصير الذين يكذبون ويفترون، مع ذكر أدلة من السنة النبوية والقرآن الكريم.