من الذي قال “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”، وما هي القصة وراء تلك القصيدة الشهيرة؟ يمكننا الإجابة عن هذه الأمور في مقالنا هذا، حيث ينتمي كاتب هذه الكلمات إلى شاعر عربي بارز، جمع بين حب الحياة في شبابه وتوجه الزهد في شيخوخته. إن لهذه الأبيات قصة غامضة تثير الفضول وتزيد من روعتها، وسنسردها لكم عبر موقع أطروحة.

من الذي قال “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”

اكتسبت هذه القصيدة شهرة كبيرة بعد وفاة شاعرها، ألا وهو أبو نواس، الشاعر العباسي الذي شهد في عصره أحداثًا ثورية ضد العادات والتقاليد السائدة. لقد أضفوا على ثقافتهم العربية صبغة جديدة، إلى جانب التطورات الكبيرة في مجالات العلوم واللغات. ومع ذلك، ترك هذا التحول أثره في نفوس بعض الشباب الذين انخرطوا في حياة اللهو والملذات، يمارسون السهر وشرب الخمر كوسيلة للهروب والتمتع بالحياة. ولكن مجالس العلم والإرشاد بقيت موجودة، وتصدت لهذا الانحراف بتوجيههم للنصحية وتنبيههم لطريق الحق.

تنشأ قصة ابن نوّاس في أجواء من المجون والسهر، إذ ارتبطت حياته بالخمر واعتبرها رفقته. ومع تقدمه في العمر، بدأ في التوبة وطلب العفو من الله، مما أفضى به للرجوع إلى الله بشعره الشهير الذي يقول فيه “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”، والتي بدأت تتردد على الألسنة بعد وفاته ولا تزال حتى اليوم.

من هو أبو نواس؟

أبو نواس هو الحسن بن هانئ، المعروف بشاعر العصر العباسي. وُلِد عام 146 هجريًا، الموافق لعام 763 ميلادي، في مدينة الأهواز، ونشأ في البصرة قبل أن ينتقل إلى بغداد، ثم دمشق، وأخيرًا مصر. اشتهر نواس بمدحه للخلفاء والحكام، حيث أبدع في قصائده في مختلف الأمكنة التي عاش بها، فكان له أسلوب فريد يمزج بين المجون والشعور الديني. وقد وضع بصمته في الشعر العربي من خلال الابتكار في أسلوبه الحضاري بعيدًا عن اللهجة البدوية.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان يُعد زعيم شعر الخمر، حيث كان يمجّد الخمر في شعره ويصوّرها كثيمة من ثيمات الحياة. ومع ذلك، فقد عرف أبو نواس بعد ذلك كيف يستفيق من غفلته ويعود للزهد، مطالبا الله بالمغفرة. توفي عام 199 هجريًا، الموافق لعام 813 ميلادي، وهناك جدل بين المؤرخين حول ملابسات وفاته ومكان دفنه.

ماذا قال قيس بن الملوح عندما طعنوه بالسيف، وأهم قصائد الشعر العربي.

قصة قصيدة “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”

في شبابه، عاش أبو نواس حياة مليئة بالملذات والشهوات، حيث كان كثير التودد للجميلات ومدح الحكام. لكنه عندما تقدم به العمر، اتجه نحو التوبة والإيمان، وسلك الطريق الصواب حتى أدركه الموت في عام 199 هجريًا، وكان ذلك في عام 813 ميلادي. بعد وفاته، رآه أحد أصدقائه في المنام، وسأله: “ماذا فعل الله بك؟”، فأجابه بأن الله قد غفر له بفضل بعض الكلمات التي قالها، والتي كانت موجودة تحت وسادته. وتكررت هذه الرؤية مع عدد من الأصدقاء المقربين، مما قادهم إلى التوجه لبيته والعثور على الأبيات، وبهذا الشكل تشهرت هذه القصيدة بطريقة غريبة ومفاجئة.

مرثية مالك بن الريب، أبياتها ومناسبة قولها.

كلمات قصيدة “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”

تتضمن القصيدة أربع أبيات يعبر فيها أبو نواس عن رغبته في الرحمة والمغفرة، إذ يقول:

يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ
فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ

الشيخ سيد النقشبندي وأبيات “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة”

يمكن الاستماع إلى أبيات الشاعر أبي نواس في مناجاته لربّه في أواخر عمره، طالباً منه الرحمة والعفو، بصوت المبتهل الشيخ سيد النقشبندي من خلال الرابط التالي:

الاستماع إلى القصيدة

أجمل ما قال أبو نواس

تتميز أشعار أبو نواس بتنوعها وإبداعها سواء في موضوعات الزهد أو الغزل أو المدح. وفيما يلي بعض الأبيات المنتقاة من قصائده:

  • قصيدة “الجسم مني سقيم شفّه النصب”:

الجِسمُ مِنّي سَقيمٌ شَفَّهُ النَصَبُ
وَالقَلبُ ذو لَوعَةٍ كَالنارِ تَلتَهِبُ
إِنّي هَويتُ حَبيباً لَستُ أَذكُرُهُ
إِلّا تَبادَرَ ماءُ العَينِ يَنسَكِبُ
البَدرُ صورَتُهُ وَالشَمسُ جَبهَتُهُ
وَلِلغَزالَةِ مِنهُ العَينُ وَاللَبَبُ
كَيما أَفوزَ بِقُربٍ مِنهُ يَنفَعُني
وَيَنجِلي سَقَمي وَالبَثُّ وَالكَرَبُ

  • قصيدة “لمن طلل لم أشجه وشجاني”:

فَلَمّا قَضَت نَفسي مِنَ السَيرِ ما قَضَت
عَلى ما بَلَت مِن شِدَّةٍ وَلَيانِ
أَخَذتُ بِحَبلٍ مِن حِبالِ مُحَمَّدٍ
أَمِنتُ بِهِ مِن نائِبِ الحَدَثانِ
تَغَطَّيتُ مِن دَهري بِظِلِّ جَناحِهِ
فَعَيني تَرى دَهري وَلَيسَ يَراني
فَلَو تَسأَلَ الأَيّامَ ما اسمي لَما دَرَت
وَأَينَ مَكاني ما عَرَفنَ مَكاني
أَذَلَّ صِعابَ المُشكِلاتِ مُحَمَّدٌ
فَأَصبَحَ مَمدوحاً بِكُلِّ لِسانِ
يُجَلُّ عَنِ التَشبيهِ جودُ مُحَمَّدٍ
إِذا مَرِحَت كَفّاهُ بِالهَطَلانِ

  • قصيدة “حامل الهوى تعب”: وهي أول قصيدة قالها في صباه، وقد جاء فيها:

حاملُ الهوى تعبُ
يستخفُّه الطَّربُ
إن بكى يحقُّ له
ليس ما به لعبُ
تضحكين لاهيةً
والمحبُّ ينتحبُ
تعجبينَ من سقمي
صحّتي هي العجبُ
كلَّما انقضى سببٌ
منكِ عاد لي سببُ

  • قصيدة “ذنوبي مثل أعداد الرمال”:

‏ذُنوبِي مِثل أعدَادِ الرِّمَالِ
فَهَب لِي تَوبةً يا ذَا الجَلالِ
وعُمرِي نَاقِصٌ فِي كلّ يَومٍ
وذَنبِي زائِدٌ كَيف احتِمَالِي
إلهي عبدُكَ العَاصِي أتَاك
مُقِرًّا بِالذّنوبِ وَقَد دَعَاكَ
إن تَغفِر وَأنتَ لِذاكَ أهلٌ
وإن تَردُدْ فَمَن نَرجُو سِواك

ديوان أبو نواس PDF

تجمع قصائد شاعرنا أبو نواس في العديد من الكتب التي لمست قلوب الأدباء واهتمت بتراثه، حيث يمثل شعره نفائس الأدب العربي. يمكن تحميل ديوان شاعرنا “من هنا”.

سيرة قيس بن الملوح وأجمل أقواله في الشعر.

آراء بعض النقاد في شعر أبي نواس

سيرة أبو نواس تحمل عنوانًا مزدوجًا من التناقضات، حيث عاش في شبابه حياة من المجون واللذائذ، وفي آخر عمره اتجه نحو الزهد والتعبد. ولا بد من الإشارة إلى أنه جمع بين الأصالة العربية وبراعة اللغة، فكان رائد الشعر باللهجة الحضرية، ولم يكن يتقيد باللهجة البدوية. لذلك، تعرض شعره ونمط حياته للعديد من الانتقادات. إليكم بعض تلك الآراء:

  • رأي أبو عبيدة: “كانت اليمن مصدر الجيد من الشعر في القديم والحديث من خلال امرئ القيس في البداية، وأبو نواس في العصر الحديث”.
  • قول عبيد الله بن محمد ابن عائشة: “من أراد الأدب ولم يقرأ شعر أبي نواس فليس بأدب تام”.
  • وورد أيضًا: “شعراء اليمن ثلاثة، امرؤ القيس وحسان بن ثابت وأبو نواس”.
  • قال أبو نواس مادحاً نفسه: “أشعاري في الخمرة لم يقل مثلها، وأشعاري في الغزل تفوق كافة القصائد، وأجود شعري يظل دون منافسة عندما لا يتزاحم مع أشعار الطرد”.

حكم سيوفك في رقاب العذل.

أبيات شعر أبي نواس بالصور

إليكم بعض صور لأبيات شعر أبي نواس:

وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا “من القائل يارب إن عظمت ذنوبي كثرة، قصة القصيدة”، حيث تناولنا اسم الشاعر وقصته، بالإضافة إلى بعض المعلومات حول أعماله، وقدمنا مختارات من شعره مكتوبة ومسموعة مع الروابط للقراءة والاستماع.